الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية رسالة مفتوحة للسيد راشد الغنوشي: هل ستعتذر عما فعله من يذكروك بشبابك؟

نشر في  20 مارس 2015  (17:27)

بقلم باسل ترجمان

لم نكن بحاجة لنرى نتائج جريمة الهجوم على مقر مجلس النواب ومتحف باردو الذي يجمع الكثير من تاريخ تونس العظيم لنعرف أن الإرهاب تدحرج وتعاظم ووصل إلى قلب العاصمة في عملية تختلف بشكلها ونوعيتها عما سبقها من عمليات إرهابية، وفي تحد جديد للدولة بكل هيبتها وقدراتها وكسر لمشروع إنقاذ تونس مما خطط له ليكون قدراً لا مفر منه على أيدي الإرهابيين ومن احتضنتهم.

عندما حطت الطائرة التي أقلتك من لندن عائدة إلى تونس والتي توقعت في كثير من الأوقات انك لن ترى ترابها مرة أخرى، حملتك نشوة نصر لم تصنعه أو تشارك فيه للوهم بأن زمن إقامة الدولة الإسلامية قد هل، وزمن التمكين في الأرض التي وعدتم به حان قطافه وكل الأحلام ستتحقق مرة واحدة دون استثناء.

غشاوة الوهم التي ظللت حقائق المشهد التونسي بقيت فترة طويلة جاثمة أمامك وحاجبة الواقع الذي رفضت رؤيته لحين بدأت تشعر بأن التاريخ سيكرر نفسه مرة أخرى وستعيد نفس الخطاء التي كررتها في الثمانينات ضد نظام بورقيبة وفي التسعينات ضد نظام بن علي ولكن هذه المرّة ضد الشعب التونسي.

بين الحلم وطوباويته وواقع تونس البعيد عن ذلك ولد الصدام الذي كان مرّة أخرى دموياً وعنيفاً ومؤلماً فمن توقعت أنهم شركاء حلم دولة الإسلام التي كتبت عن سماحتها وسلاسة إقامتها في القرن الواحد والعشرين متناغمة مع الواقع والزمن وبعض المراجعات التي فرضتها إقامتكم الطويلة في بريطانيا، اصطدمت مع حقائق انجراف الإسلاميين باتجاه منحى من التطرف في رؤية الآخر وصورة خارجة من عمق التاريخ ومشوهة بكثير من الدموية لدولة الخلافة التي يريدون إعادة تصديرها للحياة بعد نهايتها.

الخطاب التعبوي للإسلاميين على امتداد تاريخهم كان تحريضيا معاديا لكل من يعتبرونه خصماً لهم، وهذا العداء يعادل في عقول البسطاء التكفير وما يجره من تبعات على الكفار، وهذا الخطاب أفقد الاتجاه الإسلامي ثم النهضة ثقة الناس بخطابها المتموج وجعل الشكوك تحيط بكل كلمة أو موقف تتخذه لأن خلف مسحة البراغماتية أهداف تسعى لها لا علاقة لها بالديمقراطية أو الحرية بل باستعادة حلم الخلافة.

في رحلة البحث عن الحلم بأنّ زمن الإسلاميين في تونس ثم اليمن ومصر قد هلّ، والثورة ضد الأنظمة الكافرة في ليبيا وسوريا سيضعها في يد إخوة الإيمان، كان رؤية الشباب السلفي يخرج في الشوارع للتكبير والتكسير أمراَ لا يثير الغضب أو الرفض فهم مهما كان تشددهم ليسوا سوى جزء من الحلم سيذهبون بعيداً ثم يعودون لحلم إقامة دولة العدل والشريعة الذي كنت تتحدث فيه خلال لقاءاتك الكثيرة معهم.

الهجوم على السفارة الأمريكية نصرة للرسول والسكوت المريب عن الحدث الجلل ثم تهريب زعيم الإرهاب أبو عياض من جامع الفتح في ظلّ حكومة قادتها النهضة بكل تفاصيلها وصولا لاغتيال الشهيدين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي وعديد العمليات الإرهابية التي راح ضحيتها عشرات الجنود والأمنيين، كل هذه الجرائم نفذتها جماعات السلفية الجهادية أو من سموا أنفسهم أنصار الشريعة الذين أقاموا مهرجاناتهم واحتفالاتهم بمباركة ومشاركة قادة كبار من حركة النهضة.

أما الحديث عن الجهاد في سوريا والتشجيع عليه، وفتح أبواب تونس لجحافل الدعاة الذين لم يتركوا قرية لم يدخلوا مساجدها يدعون فيها أبناء تونس للالتحاق بالمجاهدين في سوريا ضد نظام من أسميتموهم بالكفار، واليوم يصعب على الجميع معرفة كم عدد أبناء تونس الذين التحقوا بالجماعات الإرهابية هناك وعدد الذين قتلوا ومن سيعودون ليكونوا قنابل موقوتة لا نعرف متى تنفجر في وجوهنا.

أثق تماما انك لم تتوقع أن يغدر بك شيوخ السلفية الجهادية والعلمية في تونس ويفضحوا حواراتك ولقاءاتك معهم "ولا أريد أن أقول تفاهماتكم" لكن إحساسهم بأنهم امتلكوا قوة تجعلهم لا يحتاجون لغطائكم الفكري والسياسي جعلهم يندفعوا في مواجهة لم تكن محسوبة بدقة من طرفهم، خاصة وصمود المجتمع التونسي ضد فكر الإخوان ورفضه المساس بمكتسبات تحققت على امتداد عشرات السنين جعلكم أمام خيارات صعبة بين التراجع لمرور العاصفة أو الوقوف في وجهها وتكرار المشهد المصري في تونس.

كل هذا الحصاد المر لتونس دفعكم لمحاولة إظهار رغبة جديدة في المراجعات مكررين ربما نفس المراجعات التي قمتم بها في لندن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، لكن الحقائق اليوم مختلفة وقاسية في الحديث عن هذه المراجعات التي نسمع بها من قيادات النهضة ولا نراها مكتوبة فمازال ميثاق الحركة المكتوب منذ سنين طويلة مقدساً لم يمس أو يعدل وإصرار الحركة على أن إقامة الخلافة هو هدفها وليس إقامة نظام ديمقراطي يتم التناوب فيه على السلطة، والأهم أن الحركة ترفض الاعتراف بأخطائها التي ارتكبتها في سنوات حكمها وأن تسامحها مع من اعتبرتهم حلفاء الرسالة كان خطأً وخطيئة بحق تونس.

من اعتبرتهم يذكروك بشبابك من أبناء الجماعات السلفية لم يرحموا أبناء تونس وضيوفها وأوغلوا في القتل والدماء، ولم يردعهم حديثكم وإدانتكم لجرائمهم، واليوم هل ستعتذر لأبناء تونس عن ذلك خاصة والقادم سيفرض على حركة النهضة أن تصارح نفسها قبل الآخرين بما ارتكبته من أخطاء، وتتحدث بشجاعة عن ذلك وتقبل برفع الغطاء السياسي عمن ساهم في هذه الأخطاء لأن رفع الغطاء عنهم سيكون أفضل بكثير من الغرق مرّة أخرى في نفس المستنقع الذي سقطت فيه مرّة في زمن حكم الرئيس الحبيب بورقيبة ومرّة في زمن حكم الرئيس بن علي واليوم في زمن خيار الشعب التونسي الحر والديمقراطي لمستقبله.

السيد راشد الغنوشي هل آن الأوان للاعتذار وهذا من شيم الكبار أم لم يحن بعد؟